{لابثين فِيهَا} حالٌ مقدرةٌ من المستكنِّ في للطاغينَ وقرئ: {لبثينَ}. وقوله تعالى: {أَحْقَاباً} ظرفٌ للبثِهم أي دُهُوراً متتابعةً كلما مضَى حقبٌ تبعَهُ حقبٌ آخرُ إلى غيرِ نهايةٍ فإن الحقبَ لا يكادُ يستعملُ إلا حيثُ يرادُ تتابعُ الأزمنةِ وتواليها فليسَ فيه ما يدلُّ على تَنَاهِي تلكَ الأحقابِ ولو أُريدَ بالحقب ثمانونَ سنةً أو سبعونَ ألفَ سنةٍ. وقولُه تعالى: {لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً * إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً} جملةٌ مبتدأه أخبرَ عنُهم بأنَّهم لا يذقونَ فيها شيئاً ما من بردَ ورَوْحٍ ينفسُ عنُهم حرَّ النَّارِ ولا من شرابٍ يُسكِّنُ من عطشِهم ولكنْ يذوقونَ فيها حميماً وغسَّاقاً، وقيلَ: البردُ النومُ وقرئ: {غَسَاقاً} بالتفخيف وكلاهُما ما يسيلُ من صديدِهم {جَزَاء} أي جُوزوا بذلكَ جزاءً {وفاقا} ذَا وفاقٍ لأعمالِهم أو نفسُ الوفاقِ مبالغةٌ أو وافقَها وِفاقاً، وقرئ: {وَفَاقاً} على أنَّه فَعالٌ من وَفَقُه كذا أي لاقَهُ {إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً} تعليلٌ لاستحقاقِهم الجزاءَ المذكورَ أي كانُوا لا يخافونَ أنْ يُحاسبُوا بأعمالِهم {وَكَذَّبُواْ بئاياتنا} الناطقةِ بذلكَ {كِذَّاباً} أي تكذيباً مُفرطاً ولذلكَ كانُوا مصرينَ على الكفرِ وفنونِ المَعَاصِي وفِعَّالٌ من بابِ فَعَّلَ شائعٌ فيما بينَ الفصحاءِ وقرئ بالتفخيف وهو مصدرُ كذبَ قالَ:فَصدَقتُها وَكذَبتُها *** والمرءُ ينفعُهُ كِذَابُهوانتصابُه إمَّا بفعلِه المدلولِ عليهِ بكذبوا أي وكذبوا بآياتنا فكذبوا كذاباً وإما بنفس كذبوا لتضمنه معنى كذَّبوا فإنَّ كلَّ مَنْ يكذبُ بالحقِّ فهو كاذبٌ. وقرئ: {كُذَّاباً} وهو جَمعُ كاذبَ فانتصابُه على الحاليةِ أي كذَّبُوا بآياتِنا كاذبينَ وقد يكونُ الكذَّابُ بمعنى الواحدِ البليغِ في الكذبِ فيجعلُ صفةً لمصدرِ كذَّبوا أي تكذيباً كذباً مُفرطاً كذبُه {وَكُلَّ شىْء} من الأشياءِ التي منْ جُملتِها أعمالُهم. وانتصابُه بمضمرٍ يفسرُه {أحصيناه} أي حفظناهُ وضبطناهُ. وقرئ بالرفعِ على الابتداءِ {كتابا} مصدرٌ مؤكدٌ لأحصيناهُ لما أنَّ الإحصاءَ والكتبةَ من وادٍ واحدٍ أو لفعلِه المقدرِ أو حالٌ بمعنى مكتوباً في اللوحِ أو في صحفِ الحفظةِ، والجملةُ اعتراضٌ.